العزلة الاجتماعية مؤشر خطير يزيد من فرص الإصابة بالخرف ويضر ببنية الدماغ

by admin

يشعر غالبية البشر بالسعادة عند الوجود في مجموعات كبيرة، كالمهرجانات والاحتفالات والمناسبات العامة، فطبقا لفرضية “العقل الاجتماعي” (Social Brain Hypothesis)، فإن الدماغ يدعم هذه التفاعلات الاجتماعية. كما أظهرت الدراسات أن الانتماء إلى المجموعة من شأنه أن يحسن من رفاهة الإنسان ويزيد من معدل الرضا عن الحياة.

ولكن كثيرا من البشر اليوم يعانون من الوحدة أو العزلة الاجتماعية. فإذا كان دماغ الإنسان قد يؤازر بالفعل التفاعلات الاجتماعية، فإنه من المتوقع حتما أن تؤثر العزلة بشكل كبير على دماغ الإنسان.

تغيرات في بنية الدماغ

هذا بالضبط ما أشارت إليه دراسة حديثة -نشرت في دورية “نيورولوجي” (Neurology) في 12 يوليو/تموز الجاري- إذ أفادت بأن العزلة الاجتماعية لا ترتبط بإحداث تغيرات في بنية الدماغ والإدراك (عملية اكتساب المعرفة) فحسب، بل إنها تزيد كذلك من خطورة الإصابة بالخرف في كبار السن.

وهناك بالفعل كثير من الأدلة التي تدعم فرضية الدماغ الاجتماعي، إذ حددت إحدى هذه الدراسات مناطق الدماغ التي ترتبط بالتفاعل الاجتماعي في ما يقرب من 7 آلاف شخص. وقد كشفت الدراسة عن مناطق الدماغ التي تشترك باستمرار في التفاعلات الاجتماعية المتنوعة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بشبكات الخلايا العصبية (الخلايا المكونة للدماغ) التي تدعم الإدراك، بما في ذلك:

banner
  • شبكة الحالة الافتراضية” (Default Mode Network): وهي شبكة من الأعصاب التي تَنْشَط عندما يكون الدماغ غير مركز على العالم الخارجي.
  • “شبكة التميّز” -وتعرف أيضا باسم شبكة الأهمية أو البروز- (Salience Network) وهي الشبكة التي تساعدنا على تحديد الأمور التي ننتبه إليها.
  • “الشبكة تحت القشرية” (Subcortical Network) التي تشارك في الذاكرة والعاطفة والتحفيز.
  • “الشبكة التنفيذية المركزية” (Central Executive Network) التي تمكننا من تنظيم عواطفنا.

ارتباط تشريحي وجيني

ولذا، أراد العلماء النظر عن كثب في كيفية تأثير العزلة الاجتماعية على المادة الرمادية (المنطقة الموجودة في الطبقة الخارجية من الدماغ)؛ إذ قام العلماء بدراسة البيانات الموجودة في البنك الحيوي بالمملكة المتحدة والخاصة بنصف مليون شخص، متوسط أعمارهم 57 عاما.
وقد رأى هؤلاء الأشخاص أنهم معزولون اجتماعيا إذا كانوا يعيشون بمفردهم وكان لديهم تواصل اجتماعي لأقل من شهر وشاركوا في أنشطة اجتماعية لأقل من أسبوع.

كما تضمنت الدراسة بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي لما يقرب من 32 ألف شخص. وقد أظهرت النتائج أن الأشخاص المعزولين اجتماعيا يعانون من ضعف الإدراك -بما في ذلك ضعف الذاكرة والوقت اللازم لرد الفعل- وكذلك من تقلص حجم المادة الرمادية في أجزاء كثيرة من الدماغ، التي من بينها:

  • المناطق الصدغية التي تعالج الأصوات وتساعد في ترميز الذاكرة.
  • الفص الأمامي الذي يشارك في الانتباه والتخطيط وفي المهام المعرفية المعقدة.
  • الحُصَين، وهي منطقة رئيسة تشارك في التعلم والذاكرة والتي عادة ما تتعطل في مرحلة مبكرة في مرض ألزهايمر.

ووفقا للتقرير الذي نشره موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation)، فقد وجد العلماء ارتباطا بين حجم المادة الرمادية وبين العمليات الجينية المرتبطة بمرض ألزهايمر.

كما تابع الباحثون مع المشاركين بعد 12 عاما، ووجدوا أن الأشخاص المعزولين اجتماعيا الذين لكن لم يكونوا وحيدين كان لديهم خطر متزايد بنسبة 26% للإصابة بالخرف.

الأسباب الرئيسة

ويرجع العلماء ذلك إلى أن الأشخاص المعزولين اجتماعيا يعانون من إجهاد مزمن، وهو ما يؤثر بدوره على العقل والصحة الجسدية؛ غير أن هذه الأسباب ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والتدقيق.

وقد يكون هناك سبب آخر يكمن في ضمور بعض وظائف مناطق الدماغ التي لا نستخدمها؛ إذ أشارت دراسة أخرى -أجريت على سائقي سيارات الأجرة- إلى أنه كلما زاد تذكر السائقين الطرق والعناوين زاد حجم الحُصَين لديهم. ومن الممكن أن يسبب عدم الانخراط في النقاشات الاجتماعية تضاؤل استخدامنا للغة والعمليات المعرفية الأخرى، ولذا فإن عمليات معقدة مثل الانتباه والذاكرة سوف تتضاءل، وهما أمران أساسيان للتفكير المعرفي بشكل عام.

معالجة الشعور بالوحدة

نعلم جميعا أن إبقاء الدماغ في حالة نشطة يساعد على بناء قدرات تراكمية مفيدة في عمليات التفكير التي يقوم بها العقل خلال حياته، وهو ما يعرف باسم “الاحتياطي المعرفي” (Cognitive Reserve). ويساعد الاحتياطي المعرفي الدماغ على التغلب على تدهور المخ نتيجة الشيخوخة أو أي أمراض أخرى. ومن أفضل الطرق للحفاظ على الاحتياطي المعرفي تعلم أشياء جديدة، مثل لغة أخرى أو آلة موسيقية.

وقد ثبت أن الاحتياطي المعرفي يخفف من مسار وحِدَة الشيخوخة؛ إذ يمكنه أن يحمي من عدد من الأمراض أو اضطرابات الصحة العقلية بما في ذلك الخرف والفصام والاكتئاب.

كما أن نمط الحياة -مثل اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة- يمكنه أن يحسن الإدراك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تجنب العزلة الاجتماعية سيساعد أيضا في تجنب تدهور المخ، خاصة في سن الشيخوخة.

المصدر : ذا كونفرسيشن + مواقع إلكترونية

You may also like

من نحن

بدأت منصّة نبأ اللبنانية نشاطها الإعلامي كأوّل منصّة في الشمال اللبناني في ٢/٢/٢٠٢٢، بعد أن حصلت على علم وخبر رقم ١٤ من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
تضم نبأ نخبة من الإعلاميين العرب وشبكة مراسلات ومراسلين في مختلف المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى شبكة برامج متنوعة.
يرأس مجلس إدارة منصّة نبأ اللبنانية
رجل الأعمال اللبناني بلال هرموش
تهدف نبأ إلى نقل الأنباء المحلية والعربية والدولية بدقة ومهنيّة، كما تسعى لنقل الصورة الحقيقة للواقع اللبناني، خصوصا المناطق المهمشة إعلاميا.

2022 @ All Right Reserved , Development and Designed By NIC Group.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept اقرأ المزيد

Privacy & Cookies Policy