استقبل رئيس الجمهورية ميشال #عون وفداً من السلك الديبلوسي برئاسة السفير البابويّ وعميد السلك الديبلوماسيّ المطران جوزيف سبيتيري، في بعبدا، وخصّ، في بداية كلمته، بـ”الشكر والعرفان، قداسة البابا فرنسيس الذي يحمل #لبنان في قلبه وصلواته والذي خصّص وطن الأرز وشعبه في الأول من تموز الماضي، بيوم تأمل وصلاة، كما جدّد بالأمس محبته للبلد وتمنياته كي يستعيد عافيته”.
وقال عون أمام زوّاره: “لبنان الذي يرزح اليوم تحت أعباء اقتصادية ومالية واجتماعية وانسانية صعبة أسّس لها نظام سياسي ونهج مالي واقتصادي، وزادت من حدّتها أزمة تفشي كورونا وأحداث من غدر الزمان، لبنان هذا يتطلع دوماً إلى أشقائه وأصدقائه في العالم ليعملوا على مساعدته كي يتجاوز الظروف القاسية”.
وأضاف عون أنّ “لبنان يحمل لدولكم وشعوبكم كل الخير والمحبة والرغبة الصادقة في أن تكون علاقاته معها، علاقات تعاون بنّاء واحترام متبادل. ولبنان بطبيعته ليس ممراً أو مقراً لما يمكن أن يسيء إلى سيادة دولكم وأمنها واستقرارها ولا يشكل تدخلاً في شؤونها الداخلية وخصوصاً الدول العربية الشقيقة”، أملاً أن “تكون مواقف بعض الدول مماثلة لمواقفه، بحيث لا تستعمل ساحته ميداناً لتصفية خلافاتها أو صراعاتها الإقليمية، ولا تدعم فئات أو مجموعات منه على حساب فئات أخرى، بل تتعاطى مع جميع اللبنانيين من دون تمييز أو تفرقة “.
وقال عون أمام السلك الديبلوماسي: “سارعت دولكم مشكورة إلى تقديم العون والدعم للبنان وشعبه لاسيما بعد الانفجار المدمّر الذي وقع في بيروت، وانعقدت مؤتمرات بمبادرة من الرئيس ماكرون بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وأظهرت دولكم من خلال التجاوب مع طلبات المساعدة والدعم حرصاً غير مسبوق على إنقاذ لبنان واللبنانيين”.
وتابع قائلاً: ” أود صادقاً أن ألفت عنايتكم إلى أن بعض الجهات تجاوزت واجب التنسيق مع مؤسسات الدولة وتعاطت مباشرة مع جمعيات ومجموعات بعضها نبت كالفطر بعد انفجار المرفأ، وتعمل على استثمار الدعم المادي والإنساني لأهداف سياسية وتحت شعارات ملتبسة، خصوصاً وأن لبنان على أبواب انتخابات نيابية”. كما حيّا “الجهد الاستثنائي الذي تقوم به منظمات الأمم المتحدة في لبنان، والهيئات الإنسانية العربية والدولية التي عملت ولا تزال للمساعدة انطلاقاً من مبادئها السامية القائمة على العدالة والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والسياسات المحلية”.
وأضاف عون: إني عازم، بالتعاون مع مجلس النواب والحكومة، وبما تبقّى من ولايتي، على متابعة العمل على الرغم من كل العراقيل من أجل تحقيق الإصلاحات التي التزمت بها، والتي طالما دعت دولكم إلى تطبيقها. وأولى الخطوات الاصلاحية اقرار خطة التعافي المالي والاقتصادي خلال الاسابيع المقبلة، وذلك تمهيداً لمناقشتها مع صندوق النقد الدولي لبدء مسيرة النهوض من جديد، بالتزامن مع التدقيق المحاسبي الجنائي في مصرف لبنان والإدارات والمؤسسات والمجالس الأخرى”.
كما أكد أنّه” بالتزامن مع العمل لتحقيق الإصلاحات المنشودة، سيكون لبنان في الربيع المقبل على موعد مع استحقاق دستوري وديمقراطي يتمثل بإجراء الانتخابات النيابية التي ستتم في موعدها، وذلك كي يعبّر اللبنانيون بحرية وشفافية عن خياراتهم الوطنية والسياسية”، آملاً بأّن “اللبنانيين سيكونون على مستوى المسؤولية في إيصال إلى الندوة البرلمانية من سيعمل على تحقيق آمالهم وتطلعاتهم لغد أفضل وإرساء أسس نظام سياسي خالٍ من الاستئثار ولا تتولّد منه أزمات لا حلولاً لها من ضمنه”.
وقال: ” دعوتُ قبل أيام إلى طاولة حوار للبحث في اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وفي الاستراتيجية الدفاعية وخطة التعافي الاقتصادي، لكن بعض القيادات السياسية لم تستجب، ما دفعني إلى التمسك بالدعوة إلى الحوار لاقتناع ثابت لدي بأنه الطريق إلى الخلاص”، مؤكداً أنّ “لبنان وطن محب للسلام، ولم يكن يوماً معتدياً بل ضحية معتدين، وخير دليل على ذلك ما جرى ويجري في جنوبه من اعتداءات اسرائيلية متواصلة براً وبحراً وجواً، ومن انتهاكات دائمة لسيادته واختراق لأجوائه لتنفيذ غارات جوية إسرائيلية على الأراضي السورية”.
وتابع عون قائلاً: “بالرغم من حق لبنان الدفاع عن أرضه وسيادته بكل الوسائل، فإنه التزم تطبيق القرارات الدولية لاسيما منها قرار مجلس الأمن 1701، وهو يتعاون من خلال جيشه مع “اليونيفيل” للمحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب، في وقت تواصل فيه إسرائيل تجاهل مندرجات هذا القرار”.
وأضاف: “إنّي على يقين بأن الاستقرار في الجنوب لن يتعزّز إلا من خلال استقرار المنطقة، وهو أمر لن يتحقق إلا من خلال السلام العادل والشامل والدائم الذي أرست قواعده مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمّة بيروت في العام 2002، ومن خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
كما أفاد عون أنّ “لبنان يأمل أن يعود الأمن والاستقرار إلى الدول العربية التي شهدت حروباً، وفي مقدمتها، الجارة الأقرب سوريا، بحيث يعود النازحون إلى أرضهم وممتلكاتهم، خصوصاً أن لبنان ينظر بريبة إلى مواقف دولية تحول حتى الان دون هذه العودة على الرغم من توقف القتال في مناطق سورية واسعة”.
وقال: “لقد شئت في هذا اللقاء، وهو الأخير في ولايتي الرئاسية، أن أصارحكم بالكثير من المسائل التي تشغل بال اللبنانيين، لكني أعدكم أن لبنان النازف اليوم، قادر على تضميد جروحه واستعادة عافيته، لأن إرادة اللبنانيين، مقيمين ومنتشرين صلبة، وتعلّقهم بوطنهم لا بديل عنه”، مضيفاً: “يتطلّع اللبنانيون إلى أن تقفوا إلى جانبهم وتدعموهم فتحافظون بذلك على وطن فريد بتركيبته، مميّز بقدرات شعبه، توّاق إلى الحداثة والتطور، وطن لا يريد إلا الخير والمحبة لكل الدول الشقيقة والصديقة وهو واثق أنكم سوف تبادلونه بالمثل، فلا تخيّبوا أمله بل ساعدوه”.
من جهته، أعرب المطران سبيتيري عن “تشجيع جميع اللبنانيّين على الثبات في التزامهم بالحرّيّة والحقوق الأساسيّة والديمقراطيّة والتضامن، لكي يستمرّوا في بعث الأمل بإمكانيّة العيش المشترك المتناغم والتقدّم، ليس فقط في بلد الأرز، بل أيضًا في البلدان المجاورة”، مجدّداً أمام السلك الديبلوماسي “استمرار رغبة لبنان في التفاوض من أجل ترسيم حدوده البحرية الجنوبية على نحو يحفظ حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفق ما تنص عليه القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة”.
وقال: “ما انفكّ المجتمع الدولي يطالب السلطات اللبنانية بتنفيذ رزمة من الإصلاحات. وقد شهدنا خلال العامَين الماضيَين تعاقب حكومات، مع تسمية رؤساء وزراء، قائمين، مستقيلين أو يتولون تصريف الأعمال. كذلك، نشعر بقلقٍ كبير إزاء الشلل الحاليّ على صعيد اجتماعات مجلس الوزراء”، مؤكداً أنّ ” الحوار المستمرّ على الأصعدة كافّة، وحده، وليس فرض الايديولوجيّات، يستطيع أن يساعد في توضيح الاحتياجات الحقيقيّة لمختلف مكوّنات المجتمع اللبنانيّ، والسماح باتّخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها”.
وأضاف عميد السلك الديبلوماسي: “نجدّد تضامننا الراسخ مع لبنان وشعبه. ونتمنّى أن يترفّع المسؤولون كافّة عن المصالح الطائفيّة لصالح تعزيز ثقافة الشفافيّة والمساءلة والعمل معًا من أجل إنقاذ لبنان. حسبنا أن نرى اللبنانيّين كافّة يستعيدون ملء كرامتهم”.