“العمر رح يخلص والبضاعة يلي اشتروا التجار على الـ33 الف ما بتخلص”، مقولةٌ انتشرت في الأيام الماضية على مواقع التواصل الإجتماعي، عبّر خلالها المواطنون عن استيائهم ونقمتهم الشديدة على التجار وأصحاب المتاجر والسوبرماركت، الذين يتذرعون بشراء البضائع وفق سعر مرتفع للدولار ويواصلون البيع بأسعار أحياناً مضاعفة ووفق حججٍ واهية، مع العلم أن ارتفاع الدولار في السوق الموازية في السابق، كان يدفع بهؤلاء إلى رفع الأسعار خلال ساعات بينما تخفيضها يتطلب أياماً وأسابيع وربما سنوات كما يقول المواطنون تهكماً على غلاء الأسعار المستمر على الرغم من الإنخفاض الكبير في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي تخطى في مهلة أسبوع واحد، الـ10 آلاف ليرة، أي ما نسبته 35%.
إلاّ أن الوضع في الأسواق لم يختلف كثيراً، والأسعار على الرفوف ما زالت هي هي، ولم يتغير أي شيء على صعيد القدرة الشرائية للمواطن، باستثناء تخفيض سعر ربطة الخبز وصفيحة البنزين، لأن وزارتي الإقتصاد والطاقة تحددان أسعارهما.
وتوازياً أطلقت وزارة الإقتصاد خلال الأيام الماضية حراكاً ميدانياً في الأسواق في مسعى مباشر، من أجل لجم الاحتكار ووضع حدّ للإرتفاع الجنوني في أسعار السلع، وبالتالي العمل على مراقبتها وتخفيضها وملاحقة المحتكرين والتجار الذين لا يبالون إلاّ بتحقيق الأرباح الخيالية. ومن هنا فإن الغلاء الفاحش الذي يعاني منه جميع اللبنانيين، شكّل محط متابعة من قبل وزارة الإقتصاد، على ما تؤكد مصادر في الوزارة، وقد نجحت التحركات والمتابعة الميدانية من قبل المعنيين، بفرض التجاوب على الأرض على التجار الذي عملوا على تخفيض أسعار السلع بما يتناسب وتراجع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وإن كانوا ما زالوا يؤكدون أن المواطن لن يلمس هذا التراجع إلاّ خلال بضعة أيام.
لكن رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برو، كان له رأي معاكس في هذا الإطار، إذ اعتبر أن من ينتظر تراجع أسعار السلع سينتظر طويلاً، في ظلّ عدم الإستقرار الاقتصادي وغياب القدرة على المتابعة اليومية وفي كل المناطق وفي كل المجالات، بفعل واقع اللعبة الاقتصادية الحالية، والعقبات التي لم تنجح في الحؤول دون أن تقوم المصارف والتجار والمستوردون الكبار بالتصرّف في السوق بما يؤمّن مصالحهم، ولتكديس المزيد من الأموال، ومراكمة الأرباح.
واذ اعتبر في حديث لـ”لبنان 24″ أن جمعية حماية المستهلك لا تستطيع ملاحقة المحتكرين قضائياً، أكد برو، أن ملاحقتهم هي مهمة السلطة، وبالتالي لا يمكنها سوى الذهاب الى القضاء الذي بات أسير السلطة السياسية لا سيما في ما يتعلق بموضوع الودائع في المصارف، والذي كان للجمعية مجموعة من الشكاوى التي لم تحرك القضاء.
وأمّا بالنسبة إلى الحلول المقترحة، فيشير برّو الى وجود مستويين للحل، الاول على المدى المتوسط والاخر على المدى البعيد. فعلى المدى المتوسط، المطلوب اليوم هو معالجة الأسباب التي أوصلت الى هذا الإنهيار الكبير، داعياً الى الذهاب فوراً إلى إقرار قانون المنافسة ما يسمح بفتح الأسواق على الخارج، ودخول المضاربة على عمل التجار الكبار ما سيؤدي سريعاً الى تخفيض أسعار المواد الموجودة اليوم في السوق، هذا فضلاً عن السعي إلى الدفع الفوري لجميع المودعين ، ما يحرّك السيولة بين ايدي اللبنانيين ويؤدي الى تراجع قيمة الدولار ويعزز قيمة الرواتب ويعيد القدرة الشرائية للمواطن إلى ما كانت عليه.
ومن هنا فإن تطبيق هذه الأمور يؤدي إلى تعزيز الثقة بالبلاد وعندها نتجه الى دعم الإقتصاد المنتج الذي يعتبر واحداً من الأمور الأساسية للحلول البعيدة المدى، والتي نادت بها جمعية حماية المستهلك منذ اليوم الأول للأزمة، على ما يؤكد برو، مشيراً إلى أن الحكومة السابقة رفضت دعم هذا الأمر، ما دفع إلى التأخير في دعم الأسر الأكثر فقراً، وبل عملت على توجيه الدعم للمواد ومن خلالها التجار، ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، بحيث استُعمل الدعم كشمّاعة لتهريب الأموال الى الخارج ، بدلاً من التشجيع على الزراعة والصناعة وشركات التكنولوجيا لاعتبارها من الأمور التي تُدخل الأموال الصعبة الى البلاد وهي عنوان مهمّ للإستثمار.
وقال برو “إن هذه الحلول ليست جديدة، بل اعتمدتها دول عدة ونجحت من خلالها في الخروج من الأزمة بأقلّ قدرٍ ممكن من الأضرار ممكنة وعلى مدى سنتين كحدٍّ أقصى” .
ولجهة الدور المنوط بوزارة الإقتصاد، أوضح برو أنه من الصعب على الوزارة أن تضبط كل الأمور على الأراضي اللبنانية، مشيراً الى أكثر من 40 ألف نقطة بيع منتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، وبالتالي من الصعب على عناصر الجيش والقوى الأمنية ضبط هذا الأمر.