لوتشيانا داغر
ثارت في الفترة الاخيرة تساؤلات جدية, حول فرضّية نشوب حرب عالمية ثالثة خاصة بعد تصاعد التّهديدات بين اوكرانيا و روسيا, و حشد عشرات الاف من القوات الرّوسية على الحدود مع اوكرانيا. و على الرّغم من المدى الجغرافي الشاسع, تتمتّع اطراف النزاع بعلاقات و مصالح مشتركة تربطها مع منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا. فكيف سيؤثّر ذلك على الدّول الاسيويّة و الافريقيّة حيال تزايد احتمالات اندلاع الحرب؟
اذا شنّت روسيا هجوما على اوكرانيا, سيكون هناك عواقب وخيمة ستلحق بالمصالح الاوروبية مع الشرق الاوسط و شمال افريقيا, مما يؤدي الى المزيد من تعطيل امدادات الطاقة و تفاقم ازمة الامن الغذائي.
تحتل اوكرانيا موقعا استراتجيا حيث تعتبر منطقة تماس حساسة بين روسيا من جهة و اوروبا من جهة, و باقي دول حلف الناتو من جهة اخرى. و نظرا لعلاقات دول شرق اوروبا و العالم العربي, يمكن رصد منافسة حادة بين اوكرانيا و روسيا على اعتبار ان الدولتين مصدّرتين رئيسيتين للحبوب, واللحوم و الزيوت لعدد كبير من الّدول العربية التي تستورد القمح عبر البحر الاسود مرورا بمضيق البوسفور علما ان البحر الاسود يقع في خضمّ التوتر العسكري, و كشف المزود للبيانات الاميركية “اس اند بي” ان صادرات روسيا و اوكرانيا من القمح مجتمعة هي 206.9 مليو طن. وبحسب العضو المنتدب لشركة سوفيكون “اندري سيزوف” لجريدة “وول سترت” ان الاضرار التي قد تلحق بالبنية التحتية الزراعية في اوكرانيا قد تؤدي الى ارتفاع الاسعار بنسبة 10% و % 20, فبذلك تصبح منطقة الشرق الاوسط مهددة بارتفاع تدريجي لاسعار الخبز.
و ادت التوترات الاوكرانية-الروسية العقود الاجلة للقمح المتداولة في شيكاغو الى ارتفاع باكثر من 7% خلال شهر كانون الثاني الماضي الى نحو 8 دولارات للبوشل (مكيال الحبوب).
تعتبر مصر اكبر مستوردي القمح في العالم حيث اشترت العام الماضي 50% من روسيا و 30% من اوكرانيا , و تستورد ليبيا و اليمن ايضا 22% و 43% من اجمالي استهلاكهما من القمح من اوكرانيا, بينما صدرت اوكرانيا في العام 2020 اكثر من 20% من القمح لمليزيا و اندونيسا و بنجلادش. فتوجهت اكثر من 40% من شحنات الذرة و القمح من اوكرانيا الى الشرق الاوسط و افريقيا, كما ادت موجات الجفاف و العوامل المناخية التي واجهتها تلك البلاد الى ارتفاع حاجتها من الحبوب مع ارتفاع اسعار المواد الغذائية المحلية.
كما سجلت اسعار النفط اعلى مستوى منذ اكثر من سنوات, و بالفعل حذر بعض المحللين البارزين من عدم الاستهانة بتداعيات الأزمة الأوكرانية وتكاليف السلام غير المستقر على الاقتصاد العالمي. قال المحلل الاستراتيجي المرموق, ديفيد روش,انه في حال قررت روسيا اجتياح اوكرانيا , كلفة النفط ستصل الى 120$ للبرميل الواحد. و اضاف ان اجتياح اوكرانيا سيرتب عقوبات قد تعيق دخول روسيا الى اليات النقد الاجنبية.
في مكالمة اجراها الرئيس الاميركي جو بايدن مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الاربعاء الماضي, اكدا التزامهما بالحفاظ على مخزون الطاقة العالمي, في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة عن بدائل لتعويض اوروبا عن اية محاولة روسية لاستخدام الغاز كوسيلة لضغط دول الغرب. و كانت الولايات المتحدة طلبت من حليفتها قطر المساعدة في توفير إمدادات طارئة في حال قُطعت إمدادات الغاز الروسية عن غرب أوروبا، بحسب ما قال مسؤولون أميركيون. وتملك قطر احتياطا هائلا من الغاز وهي أول مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال. كما هناك ايضا، مساعي من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الإعتماد على الغاز الليبي كإحدى البدائل لإمداد أوروبا بالطاقة في حالة وقوع حرب وأوقفت روسيا امداداتها من الغاز.
فباتت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بمثابة قطعة من رقعة شطرنج عالمية تتجاذب حولها الأدوار وصراع النفوذ بين القوى الكبرى.
