قالت “الجزيرة” انه في وقت متأخر من نهار الأربعاء، كانت قرية “أم الخير” الفلسطينية، جنوبي الضفة، على موعد مع حدث صادم، كاد يودي بحياة أحد أبرز وجهائها ورموز المقاومة الشعبية بفلسطين.
فقد قامت قوة من الشرطة الإسرائيلية بمداهمة القرية البدوية الواقعة إلى الشرق من بلدة يطا، جنوبي الخليل، بزعم مصادرة سيارة تعتبرها “غير قانونية”، أي أنها غير مسجلة لدى السلطة الفلسطينية أو سلطات الاحتلال.
فقد فوجئ السكان بشاحنة تابعة للشرطة الإسرائيلية، يفترض أنها أحضرت لتحميل السيارات المصادرة، تباغت الشيخ سليمان وتدعسه.
“الشيخ سليمان” كما يطلق عليه الصحفيون، و”أيقونة المقاومة” كما يسميه ناشطون، ليس مواطنا عاديا، فهو لا يغيب عن أي فعالية لرفض الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية، وبشكل خاص جنوبي الضفة وفي محيط قريته التي يزحف إليها الاستيطان.
أصيب الهذالين بجراح خطيرة في الرأس، أدخل على إثرها غرفة العمليات في مستشفى الميزان المحلي، وخضع لعملية جراحية استغرقت عدة ساعات، انتهت بإيقاف نزيف دموي في الدماغ، كما أصيب برضوض وكسور في أنحاء جسده، فضَّل الأطباء التعامل معها بعد السيطرة على النزيف.
إصابة خطيرة
يقول اختصاصي الأعصاب الدكتور عماد التلاحمة، الذي أشرف بشكل مباشر على الحالة الطبية للشيخ الهذالين، إن وضعه الصحي “مستقر، لكن إصابته خطيرة”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت: “هناك أضرار في كافة أنحاء الجسم، إصابة مباشرة في أغلب مناطق الرأس، وقد وصلنا وهو يعاني من نزيف في الدماغ نتيجة كسر في مقدمة الجمجمة، تمت السيطرة عليه”.
ويشير إلى كسور أيضا في الرقبة والحوض والفخذ، “لكن استطعنا إنقاذ حياته، وهو يعالج بشكل حثيث في غرفة العناية المركزة”.
دعس متعمد
يتهم إبراهيم الهذالين الشرطة الإسرائيلية بتعمد دعس شقيقه سليمان، مستدلا بشريط مصور يظهر مباغتته من قبل الشاحنة.
ويقول -في حديثه للجزيرة نت- إن شرطة الاحتلال “أرادت الانتقام من الحاج سليمان الذي تعرفه جيدا من خلال تصديه لها في كل فعالية”.
وتعود جذور عائلة الهذالين البدوية إلى منطقة “عراد” جنوبي إسرائيل، وقد هجّروا إلى الضفة الغربية وانتشروا في سفوحها الشرقية، وبينها مناطق جنوب الخليل المسماة “مَسافِر يَطّا”.
حضور دائم
يسجل للشيخ سليمان حضوره الدائم في الفعاليات الشعبية مرتديا حطَّة بيضاء (غطاء الرأس) مُسدلة على كتفيه، تخفي وراءها شعرا غزاه الشيب بعد عقود من مقارعة الاحتلال، وبيده عصاه يتوكأ عليها ويلوّح بها في التظاهرات والفعاليات الشعبية، إلى جانب علم فلسطين.
أينما حل الرجل تحل اللهجة البدوية، ويحتاج السامع غير البدوي إلى التكرار حتى يفهمها، لكنه مع ذلك يحتفظ ببصمة هتاف خاصة يرددها حيث كان: “اللهم حرر الأسرى والمسرى (الأقصى)”.
يصف الناشط فؤاد العمور منسق لجان الحماية والصمود جنوبي الخليل، الحاجَ سليمان بأنه “أيقونة مسافر يطا والمناطق الجنوبية بشكل كامل وعام وعلى مستوى الوطن”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “لا يمكن وصفه في مراحل التحدي والصمود. هو أيقونة عظمى، ونعتبره الشعلة الأولى على مستوى الوطن”، ويعتبر أن “استهداف الحاج سليمان بصورة مباشرة، هو من أجل كسر شوكة الفلسطيني”.
وفي كل فعالية أو تظاهرة يشارك فيها الهذالين، يجده الصحفيون في الصدارة يتصدى للجنود وآلياتهم العسكرية، لكن هذه المرة كان الإعلام غائبا عن تسجيل الحدث، فباغتته شاحنة الشرطة، ودعسته كما يقول شقيقه إبراهيم.
من أكثر القضايا التي كان يتفاعل معها المصاب الهذالين، قضية الأسرى، وآخرها إضراب الأسير هشام أبو هواش الذي علق إضرابه الثلاثاء، حيث كان حاضرا في وقفة تضامنية معه جرت في مدينة الخليل، في ذات يوم انتصاره.
ومنذ تأكد خبر دعسه، تحوّل الشيخ سليمان إلى أيقونة، وانتشر الخبر بكثرة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مع طلب التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يمنّ عليه بالشفاء.
جيران السوء
ولد الشيخ سليمان في خيمة بدائية على أراض اشتراها والده قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967، إذ لا يسمح الاحتلال بأي تغيير في الواقع الذي كان قائما في القرية قبل احتلالها، بل نفذ فيها أكثر من 15 عملية هدم ما زالت آثارها ماثلة إلى اليوم.
لم يتوقف الأمر بالحاج سليمان وأقاربه عند الملاحقة بالهدم ومنع البناء، بل أخذت المأساة بعدا آخر، بالشروع عام 1982 في بناء مستوطنة لا يفصل بينها وبين خيمته سوى أسلاك شائكة.
واليوم امتدت المستوطنة غربا وجنوبا وشمالا لتلتهم مزيدا من الأرض، بينما هو لا يستطيع إضافة أي بناء، مما يضطر أبناءه وغيرهم إلى الرحيل والبحث عن مكان يستطيعون البناء والعيش فيه.
شيخ المقاومة
وكتب أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي على صفحته بفيسبوك: “الشيخ العنيد.. شيخ المقاومة الشعبية في مسافر يطا.. الحاج سليمان الهذالين، يرقد على سرير الشفاء إثر دهسه من قبل سيارة تابعة لشرطة الاحتلال وجيشه الفاشي.. دعواتكم له بالشفاء”.
كما كتب الصحفي محمد القيق على حسابه بفيسبوك: “حارس أم الخير وزيتونها وجبالها ومياهها، مناصر الأسرى والمسرى، الشيخ سليمان الهذالين محتفظ بخرائط خبثهم ويتصدى لعنصريتهم، يعجز الوطن عن تسمية لقبٍ لك. اللهم الشفاء والرعاية من مكرهم يا الله”.
ومن جهته، كتب الصحفي رائد الشريف على حسابه أيضا: “خبر إصابة الشيخ سليمان الهذالين وقع علي كالصاعقة. رجل أحبه ويُحبني، أعرفه منذ زمن بعيد، ارجع يا شيخ سليمان وقم من جديد، جبال الخليل بحاجة لعزتك وكرامتك، وكلماتك اللي (التي) مستحيل ننساها، الله أكبر ولله الحمد”.
كما كتب الصحفي منتصر نصار على حسابه بفيسبوك: “الصلب القوي.. الجبل الأشم.. أيقونة الصمود والتحدي، والدنا ووالد الجميع الشيخ سليمان الهذالين، شافاك الله وعافاك وردك إلى أهلك وبلدك سالما غانما.. الوطن بحاجة لأمثالك، نرجوك لا تعجل الرحيل”.
ونشر الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم صورا لهذالين بعدة وقفات، وكتب على حسابه الرسمي بفيسبوك: “يطا/ إرهاب الاحتلال يطال الشيخ سليمان الهذالين، إثر تعرضه للدهس من قبل آلية عسكرية احتلالية”.
أما كايد الفسفوس، الأسير المفرج عنه بعد إضراب استمر 131 يوما، فكتب على حسابه بتويتر: “الشفاء العاجل للمناضل الشيخ سليمان الهذالين الذي تعرض لاعتداء جبان من المستوطنين، نصير الأسرى والمسرى، وحارس أرض ووطن”.