تتزايد مخاوف دوائر أميركية عديدة من تقدم الصين التكنولوجي، ويشير تقرير جديد صدر عن جامعة هارفارد الأميركية (Harvard university) إلى تقدم الصين تكنولوجيًّا في عدة مجالات حيوية وتخطيها الريادة الأميركية التقليدية.
وقبل شهرين، أعلن بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أن الوكالة ستنشئ “مركزين مهمين” رئيسيين جديدين، يركز أحدهما على الصين والآخر على التكنولوجيات المتقدمة.
ويعكس هذا الإجراء إيمان واشنطن بأن الصين هي “أهم تهديد جيوسياسي تواجهه الولايات المتحدة في القرن الـ21″، وأن “الساحة الرئيسية للمنافسة والتنافس بينهما ستكون التكنولوجيات المتقدمة”.
والسؤال الذي ينبغي على الأميركيين طرحه هو: هل يمكن للصين أن تفوز بسباق التكنولوجيا؟ من هنا جاء التقرير الجديد عن “التنافس التكنولوجي الكبير” والصادر من مركز بيلفر في جامعة هارفارد، ليحاول الإجابة عن هذا السؤال.
وخلص التقرير إلى أن الصين حققت قفزات غير عادية إلى حد أنها أصبحت الآن منافسا كاملا للولايات المتحدة في كل من التقنيات التأسيسية المهمة في القرن الـ21، مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وعلوم المعلومات اللاسلكية والكمية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة الخضراء.
وبالفعل تقدمت الصين في بعض هذه المجالات وتخطت الولايات المتحدة، في حين أن سعيها مستمر للوصول للريادة في بقية المجالات التي لا تزال الريادة فيها للولايات المتحدة.
تصميم الصين على التفوق
وكرر الرئيس الصيني تشي جين بينغ في عدة مناسبات أن “الابتكار التكنولوجي أصبح ساحة المعركة الرئيسية في الساحة العالمية، وسوف تزداد المنافسة على الهيمنة التكنولوجية ضراوة بصورة غير مسبوقة”.
وفي سبيل ذلك، دعا الرئيس الصيني إلى “تطوير قدرات الصينيين، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، والنهوض بالتكنولوجيات الناشئة المحلية”.
وفي سبيل ذلك، حددت أحدث خطة خمسية للحكومة الصينية مؤشرات الأداء الرئيسية في القطاع التكنولوجي، والمواعيد النهائية للوصول إلى بعض النتائج، وحمّلت حكومات المقاطعات والحكومات المحلية المسؤولية عن تحقيق النتائج، كما أشار تقرير جامعة هارفارد.
ولم يُخف الحزب الشيوعي الصيني طموحاته، فالصين تعتزم أن تصبح الرائدة عالميا في مجال التكنولوجيات التي ستشكل العقود المقبلة.
وسلطت خطة الإصلاح الاقتصادي للحزب لعام 2018 الضوء على الابتكار التكنولوجي كوسيلة لتجنب الوقوع في فخ التعثر كدولة متوسطة الدخل. وتهدف مبادرة الحزب المعروفة باسم “صنع في الصين 2025” إلى الهيمنة على الإنتاج التكنولوجي لـ10 تقنيات ناشئة، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس 5G والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية.
ويشير إريك شميدت، الرئيس السابق لشركة غوغل (Google)، إلى أن “العديد من الأميركيين لا يزالون يملكون رؤية قديمة للصين”، ويقول إن “الولايات المتحدة تواجه الآن منافسا اقتصاديا وعسكريا صينيا يحاول بقوة إغلاق أي فجوة تكنولوجية لصالحنا”.
انتباه أميركي متأخر
لم تنتبه التقديرات الإستراتيجية الأميركية عند انتهاء الألفية الثانية وبدء الألفية الثالثة للصعود الصيني. وقدمت الأكاديميات الأميركية الوطنية للعلوم والهندسة والطب في عام 2000 تقديرات مستقبلية للعقود المقبلة توقعت فيها إلى حد كبير كل ما شهده العالم من تقدم وتطور.
وأشارت تلك التقديرات إلى أن “النظام الأميركي القوي الفريد يدفع لخلق معارف جديدة، وأن هذا النظام كان المحرك الرئيسي للتطور في القرن الـ20، وبالمثل سيكون هو ذاته العامل الأكبر في تطورات القرن الـ21”. ولم تنتبه التقديرات الأميركية إلى خطورة وقوة الصعود الصيني تكنولوجيا تحت نظام حكم شيوعي صارم.
ثم تطلعت واشنطن بعد ظهور ملامح الصعود الصيني إلى محاولة دمج بكين في النظام العالمي القائم الذي تقوده. وفي الوقت الذي زادت فيه الشكوك في نوايا الصين، حدث إجماع نادر في واشنطن بين الحزبين -الجمهوري والديمقراطي- على أن تفوق أميركا العالمي في خطر.
مجالات التنافس الأهم
خلال السنوات القليلة الماضية، استطاعت الصين التقدم في عدة مجالات تكنولوجية حيوية بسرعة كبيرة مثلت مفاجأة للمراقبين الأميركيين. وأصبحت الصين منافسا خطيرا في التقنيات التأسيسية للقرن الـ21 مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيل الخامس، الكوانتم (Quantum) -علم معلومات الكم (QIS)- وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة الخضراء.
وفي العام الماضي، أنتجت الصين 50% من أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة في العالم، في حين أنتجت الولايات المتحدة فقط 6%. وتبيع الصين 4 أضعاف عدد السيارات الكهربائية المباعة في الولايات المتحدة، ولديها 9 أضعاف عدد المحطات الأساسية لشبكات 5G، مع سرعات شبكة تبلغ 5 أضعاف سرعة ما يعادلها بالولايات المتحدة.
وفي التكنولوجيا المتقدمة التي يرجح أن يكون لها أكبر تأثير على الاقتصاد والأمن في العقد المقبل -الذكاء الاصطناعي- تتقدم الصين على الولايات المتحدة في المجالات الحاسمة.
وحذر تقرير صدر عن لجنة الأمن القومي في ربيع عام 2021 من أن الصين تستعد لتجاوز الولايات المتحدة كمركز أول في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.
ويضيف تقرير جامعة هارفارد أن الصين تقدمت على الولايات المتحدة الآن بشكل واضح في التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعرف على الوجه والتعرف على الصوت والتكنولوجيا المالية.
وفي حين لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بمركز مهيمن في صناعة أشباه الموصلات، التي تحتفظ بها منذ ما يقرب من نصف قرن، قد تلحق الصين بها قريبا من مسارين مهمين: تصنيع أشباه الموصلات وتصميم الرقائق.
فقد تجاوز إنتاج الصين من أشباه الموصلات إنتاج أميركا، حيث ارتفعت حصتها من الإنتاج العالمي حاليا إلى 15%، وكانت أقل من 1% في عام 1990، في حين انخفضت حصة الولايات المتحدة من 37% عام 1990 إلى 12% حاليا.
الاستجابة الأميركية
بدأ الأميركيون الانتباه لواقع جدية المنافسة التكنولوجية الصينية. وفي يونيو/حزيران الماضي، أقر مجلس الشيوخ قانون الابتكار والمنافسة بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأذن باستثمار 250 مليار دولار في العلوم والتكنولوجيا على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وشملت مقترحات الإنفاق الأخيرة التي قدمها الكونغرس، مثل مشروع قانون البنية التحتية الذي تبلغ قيمته 1.2 تريليون دولار وحزمة الإنفاق الاجتماعي التي تبلغ قيمتها 1.7 تريليون دولار، استثمارات في البحث والتطوير بمجالات مثل التكنولوجيات الخضراء وتخزين الطاقة.
وفي حين أن هذه الاستثمارات مطلوبة بشدة، فإن الأمر يتطلب المزيد من الاهتمام والاستثمار في التكنولوجيات الإستراتيجية للتنافس مع الصين.
وما لم تتمكن الولايات المتحدة -كما يقول التقرير- من تنظيم استجابة وطنية مماثلة للتعبئة التي خلقت التكنولوجيات التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، فإن الصين قد تهيمن قريبا على تكنولوجيات المستقبل والفرص التي ستخلقها.