الجنيه المصري: كيف يمكن للحكومة حل الأزمة بأقل الخسائر؟

by nabaa s

انهار الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي الأربعاء الماضي، مسجلا انخفاضا غير مسبوق في تاريخ العملة، مما ينذر بالمزيد من الضغوط الواقعة على كاهل المصريين الذين يعانون بالفعل من غلاء غير مسبوق في الأسعار. ورغم التعافي المحدود للعملة، لا يزال خطر انهيار العملة المحلية قائما، وهو ما دفعنا إلى القيام بجولة مع خبراء في الاقتصاد والتمويل في محاولة لإيجاد حلول مقترحة للأزمة الاقتصادية ووقف انهيار سعر الصرف.

وتراجع الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 32.20 للدولار الأربعاء الماضي مقابل 27.60 جنيه عند افتتاح التعاملات، وهو ما يأتي نتيجة لبدء السلطات المصرية تحريك سعر الصرف اتباعا لما ينص عليه اتفاق قرض صندوق النقد الدولي من ضرورة تبني مرونة أكثر في التعامل مع سعر الصرف بين شروط أخرى وافقت عليها الحكومة المصرية للحصول على قرض بقيمة 3 مليار دولار تتسلمها على مدار 46 شهرا.

وقال وائل النحاس، المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، لل بي بي سي: “بالطبع، كان قرار التعويم أو المرونة في سعر صرف الجنيه ضروريا لإدخال الموارد الدولارية المتاحة إلى النظام المالي الرسمي، لكنه جاء متأخرا جدا”.

banner

وأضاف: “كان ينبغي تحقيق وفرة في العملة الأجنبية، وأعتقد أن السلطات النقدية تأخرت كثيرا في اتخاذ القرار الذي كان ينبغي اتخاذه عند مستوى 25 جنيه للدولار، لا بعد ذلك”.

البرلمان والبنك المركزي
وتساءل النحاس عن دور البرلمان في المرحلة الراهنة وما الذي شارك به على صعيد الأزمة، قائلا: “أين البرلمان؟ ولماذا ينشغل بمناقشة أمور غير ضرورية”.

وأضاف: “لماذا لم يناقش البرلمان التغيرات التي ستلحق بالموازنة؟ لماذا لم يطالب الحكومة بعرض الموازنة الموازية التي تستهدف التغلب على الأزمة؟ وهل عُرضت عليه وثيقة ملكية الدولة؟ وهل يعلم الجهة التي تؤول إليها الأموال الناتجة عن بيع الأصول”.

واتفق مدحت نافع، أستاذ الاستثمار والتمويل، مع النحاس في أن قرار “تحريك سعر الصرف كان من المتوقع أن يتخذ مبكرا” مرجحا أن “الأمر برمته معلق في رقبة الحكومة نظرا لأن الإجراءات الإصلاحية المطلوبة للخروج من المأزق الحالي تتعلق بالسياسة المالية المنوط بالحكومة تنفيذها”.

وحمل نافع، في تصريحات أدلى بها لبي بي سي، الإدارة السابقة للبنك المركزي المصري مسؤولية تفاقم الأزمة بسبب التأخر في اتخاذ الإجراءات المناسبة بينما رأى أن الإدارة الحالية للسطات النقدية اتخذت هذه الإجراءات فور توليها المسؤولية.

وأضاف: “كان على الحكومة أن تشجع الاقتصاد العيني، لأنه هو الحل الأكثر فاعلية وطويل الأجل للأزمة، فمنذ 2016 لم تشهد الحكومة تغييرات جوهرية واستمرت أسماء كثيرة في تولي نفس الحقائب الوزارية بمعنى أن نفس السياسات والاستراتيجيات لا زالت تتبع”.

وأشار نافع إلى أنه “كان من المتوقع أن تستغل الحكومة النافذة التي فتحت في 2016 بعد الخفض الأول لقيمة الجنيه المصري في أن تتحرك على مستوى الاقتصاد العيني وعلى مستوى سوق المال الذي كان قادرا على تعبئة الكثير من الاستثمارات غير المباشرة والذي تأخر عن ذلك بسبب إداراته السابقة”.

وارتفع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 21.9 في المئة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 6.5 في المئة، وفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر في يناير/ كانون الثاني الجاري.

حلول للأزمة الحالية
قال مدحت نافع إنه “على الحكومة أن تتحرك على مستويين؛ الأول على المدى القصير ويتضمن إجراءات عاجلة أهمها التقشف وخفض الإنفاق الحكومي، وهو ما بدأته الحكومة بالفعل على المدى القصير”.

وأصدرت الحكومة المصرية قرارا بالبدء في ترشيد الإنفاق أو ما يعرف بإجراءات التقشف منذ أيام قليلة، والذي نشرته الجريدة الرسمية متضمنا تأجيل تنفيذ أي مشروعات جديدة “لها مكون دولاري واضح”، وحظر السفر لأي مسؤول حكومي إلا في حالات الضرورة القصوى، والاستغناء عن المستشارين في الهيئات الحكومية، وغيرها من الإجراءات التي تستهدف خفض الإنفاق.

وأضاف: “ينبغي أن تتخذ الحكومة حزمة من القرارات تستهدف تحفيز الاستثمار التي يتوقع أن تستغرق وقتا حتى تتحقق أهدافه، وتوفير فرص تمويلية في ظل سياسات التشديد النقدي المطبقة حاليا، ومنع الدولرة، ومراقبة الأسواق التي انتقد البرلمان الحكومة بشأنها في الفترة الأخيرة”.

وتابع: “على المدى المتوسط والطويل، لا بديل عن أن توفير بدائل للواردات في السوق المصري، والتحول إلى التصدير لجلب عملة صعبة للبلاد، وهو ما أرى أنه يحتاج إلى محفزات تمويلية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهدف مساعدتها على الإنتاج من أجل التصدير”.

وأشار أيضا إلى أهمية تنويع مصادر السيولة الدولارية بسرعة أكبر والتركيز على المصادر التي لا تحتاج بُنى تحتية كبيرة مثل المشروعات السياحية. ورغم أن الدخل السياحي يتسم بالهشاشة والتقلب، نظرا لتأثره السريع بالاضطرابات الأمنية والسياسية والاجتماعية، إلا أنه يمكن الاعتماد عليه في تنويع الموارد الدولارية بطريقة أسرع من قطاعات أخرى، وهو ما يمكن أن يستخدم لإعادة تكوين الاحتياطيات التي من شأنها أن تساعد على الخروج من الأزمة.

كان لأسعار الغذاء دور أساسي في ارتفاع التضخم في مصر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي
وشدد على أنه لا ينبغي أن يكون الحصول على الدولار هو الهدف، لأن زيادة الطلب على الدولار هو طلب مشتق لسداد ديون، ومن ثم ينبغي التركيز على التقليل من مستويات الدين الخارجي إضافة إلى التقليل من الاستيراد الذي بلغت فاتورته 90 مليار دولار سنويا.

كما حدد النحاس ثلاثة إجراءات تضع مصر على مسار الخروج الصحيح، والتي تتمثل في إعلان فوري عن الإفراج عن جميع السلع الموجودة في الموانئ المصرية لتلبية الطلب المتزايد في السوق المصري وإحداث انفراجة يشعر بها المستهلك.

كما رأى أن “هناك ضرورة لتوفير البنوك السيولة الدولارية للشركات والمستهلكين وفتح أبوابها لساعات عمل إضافية تغطي أغلب أوقات اليوم لجذب المستهلكين والمستثمرين إليها وإبعادهم عن السوق الموازي”.

هل يمكن أن يتماسك الجنيه المصري في الأيام المقبلة؟

وشدد على ضرورة تحديد موقف شركات الصرافة، “التي تعتبر خارج الخدمة لعدم سيرها وفقا لسياسة وإجراءات واضحة”، وذلك من خلال تحديد هامش ربح مرضي لها وتشجيعها على العمل لسحب الدولار من السوق الموازي.

كما أكد على ضرورة إزالة المعوقات التي تواجه مصر في تحقيق الاستغلال الأمثل لجميع الموارد الدولارية المتاحة والمحتملة مثل “إلغاء شرط الإقامة الذي قد يحول دون ضخ الكثير من المستثمرين العرب والأجانب رؤوس الأموال في السوق المصري. ويمكن أن تكون سفارات هؤلاء المستثمرين ضامنا لهم بدلا من محل الإقامة”.

ماذا بعد؟
حال اتخاذ هذه الإجراءات وغيرها من جانب الحكومة، يرجح أن يصل سعر الصرف إلى حالة من الاستقرار وأن يتوقف الهبوط الحاد للجنيه مقابل الدولار، لكن ذلك لن ينهي الأزمة على الفور، إذ لابد من الاستعداد لمعالجة تبعات الأزمة التي قد تتسبب في استمرار معاناة المستهلكين والشركات في مصر.

ويرى النحاس أن تحميل الخسائر الناتجة عن الارتفاعات الهائلة في سعر الصرف من الطبيعي أن يؤدي إلى المزيد من ارتفاع الأسعار، التي وصلت إلى مستويات غير منطقية في الفترة الأخيرة، وهو ما يستلزم أن تقوم الدولة بدور فعال من أجل رفع تلك الأعباء عن كاهل المواطنين من خلال إلغاء غرامات التأخير المفروضة على المستوردين وسد جميع الثغرات التي قد تفتح الباب أمام المزيد من الاضطرابات في الأسواق.

وأكد على ضرورة وضع خطة واضحة المعالم للتعامل مع الأزمة الحالية قبل 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، أي قبل نهاية عطلة السنة القمرية الصينية الجديدة استغلالا لتراجع في الطلب على الدولار الأمريكي، مشددا على ضرورة إعداد تلك الخطة وتحديد مسار واضح للتعامل مع الأزمات الحالية قبل هذا التاريخ قبل أن “تستنفد مصر فرص” النجاة على حد قوله.

وينبغي أن تقدم تلك الخطة لصندوق النقد الدولي ورجال الأعمال وحاملي شهادات الادخار وغيرها من الأدوات المالية التي تصدرها مصر مثل سندات وأذون الخزانة لتفادي الدخول في متاهة يصعب العودة منها.

من أهم الأمور التي تأخذها وكالات التصنيف الائتماني في الحسبان أثناء منح التصنيف لأي دولة، الاستقرار السياسي ومدى تطبيق تلك الدولة سياسات وإجراءات من شأنها الحفاظ على الاستقرار وتفادي وقوع اضطرابات اجتماعية.

وأبدى النحاس قلقه إزاء إمكانية انزلاق التصنيف الائتماني لمصر إلى “C” بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي تتزايد فرص وقوعها في مصر وسط الأوضاع الاقتصادية الخانقة، خاصة وأن بعض دول الجوار تشهد احتجاجات على نطاق واسع ضد الغلاء وتردي الأوضاع المعيشية. ومن المعروف أن التصنيف الائتماني هو البوابة الرئيسية للاستثمارات الأجنبية التي تتلهف مصر إليها أملا في سد الفجوة التمويلية.

وحذر أيضا من أن ردود الفعل الشعبية في مصر على الغلاء، والارتفاعات الحادة للتضخم، وانهيار العملة، قد تعجل بصدمة تواجهها للبلاد في صورة خفض مفاجئ للتصنيف الائتماني، خاصة وأن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري تحولت إلى نظرة سلبية في الفترة الأخيرة.

وأشار إلى أن خطر خفض التصنيف الائتماني يتزايد في ضوء ثبات هذا التصنيف دون تقدم على الإطلاق منذ 2011 بينما كان التغيير يطرأ على النظرة المستقبلية فقط، لذا قد تشهد البلاد هزة عنيفة إذا لم تركز الدولة على الشارع والمواطنين وعدم السماح للأوضاع الاقتصادية والأزمة الحالية بالخروج عن السيطرة”.

ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، لا تزال مصر تحتفظ بالتصنيف الائتماني (B) مع نظرة مستقبلية “سلبية”.

وقالت الوكالة إن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري كانت هي الوحيدة التي جاءت “سلبية” بين 15 دولة أعدت فيتش تقاريرا للنظرة المستقبلية لاقتصاداتها في 2022. وأضافت أن لبنان وتونس ليس لديهما نظرة مستقبلية للاقتصاد نظرا لأن الوكالة الدولية لا تعد نظرة مستقبلية تصنيفها الائتماني (CCC) أو أقل.

المصدر: BBC

You may also like

من نحن

بدأت منصّة نبأ اللبنانية نشاطها الإعلامي كأوّل منصّة في الشمال اللبناني في ٢/٢/٢٠٢٢، بعد أن حصلت على علم وخبر رقم ١٤ من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
تضم نبأ نخبة من الإعلاميين العرب وشبكة مراسلات ومراسلين في مختلف المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى شبكة برامج متنوعة.
يرأس مجلس إدارة منصّة نبأ اللبنانية
رجل الأعمال اللبناني بلال هرموش
تهدف نبأ إلى نقل الأنباء المحلية والعربية والدولية بدقة ومهنيّة، كما تسعى لنقل الصورة الحقيقة للواقع اللبناني، خصوصا المناطق المهمشة إعلاميا.

2022 @ All Right Reserved , Development and Designed By NIC Group.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept اقرأ المزيد

Privacy & Cookies Policy