كتب وليد شقير في”نداء الوطن”:
المقايضة التي أشيعت أنباء عن التوصل إليها بين توقيع رئيس الجمهورية مرسوم فتح فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي حتى آذار المقبل، وبين عقد جلسة لمجلس الوزراء من أجل مناقشة وإقرار الموازنة فور جهوزها، يبدو أنها متعثرة، ولم يُنجز الاتفاق على إتمامها بعد.
والأجواء التفاؤلية التي أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد زيارته قصر بعبدا أول من أمس، واتصاله منه برئيس البرلمان نبيه بري يبدو أنها اقتصرت فقط على موضوع فتح الدورة الاستثنائية ولم تشمل الدعوة إلى الحكومة، بدليل أن بيان كتلة الوفاء للمقاومة أمس أيد فتح الدورة فقط، من دون أن يتطرق إلى اجتماع مجلس الوزراء، نظراً إلى أن الشرط الذي وضعه الثنائي الشيعي كي يقبل بحضور الوزراء الشيعة اجتماعاته لم تتم تلبيته بعد وهو حصر صلاحيات المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار بالأمنيين والموظفين والجهات الأخرى، وترك ملاحقة النواب والوزراء للمجلس النيابي عبر لجنة تحقيق برلمانية والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
مع اقتراب وزير المال يوسف الخليل من الانتهاء من إعداد الموازنة بات ملحاً بالنسبة إلى ميقاتي أن تقرها الحكومة، وأن تحيلها إلى البرلمان لدراستها والتصديق عليها طالما أن الرئيس عون وقع مرسوم فتح الدورة الإستثنائية أمس. فهي لزوم بديهي من واجبات لبنان، أولاً تجاه نفسه وثانياً في علاقته مع المجتمع الدولي الذي يشترط أن يقوم بما عليه و”يساعد نفسه من أجل أن يساعده المانحون” ويمدوه بالسيولة النقدية وتوفير قدر من العملة الصعبة لتنفيذ مشاريع حيوية تنشط الاقتصاد وتحرك القطاع المصرفي بعد تصحيح أوضاعه، وتطلق عملية تصحيح ماليته العامة.
توقيع الرئيس عون على فتح الدورة الاستثنائية سيضع الثنائي الشيعي في موقع عرقلة إنجاز الموازنة، في وقت هي شرط لازم لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول خطة التعافي الاقتصادي والإصلاحات المطلوبة التي يفترض أن تتضمن الموازنة بعضاً منها مثل خفض كلفة القطاع العام وترشيده وزيادة مداخيل الخزينة فضلاً عن قيمة الإنفاق المطلوب لتأهيل قطاعات في طليعتها الكهرباء، وإعادة إعمار المرفأ وشبكة الأمان الاجتماعي ولتشغيل مرافق عامة تقدم الخدمات الرئيسة والحيوية للمجتمع، مثل الاتصالات والمياه والتعليم الرسمي والطبابة والاستشفاء…
في حين وجد كثر أن حديث ميقاتي عن دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع تعبير عن تمنياته الخاصة وهو أقرب إلى الرغبة الشخصية في وقت لا اتفاق على الخطوة، فإن صدقية اللجنة الوزارية المفاوضة مع صندوق النقد، والتي ينتظر أن تطلق المفاوضات الرسمية بعد عدد من الجلسات التحضيرية مع وفد الصندوق، منتصف هذا الشهر، باتت على المحك، ومن ورائها صدقية الدولة ككل وفي مقدمها ميقاتي نفسه، كونه المسؤول الأول عن الموازنة إلى جانب وزير المال، في الامتحان الصعب حيال الصندوق وسائر الهيئات المالية الدولية والإقليمية المعنية بتقديم الدعم.
لا خيار أمام ميقاتي إلا أن يسعى إلى إقرار الموازنة لأنها الأمر البديهي الذي عليه السعي لتحقيقه بعد أن وضع أهدافاً متواضعة (“اتفاق إطار”مع الصندوق، تلزيم أحد معامل الكهرباء بعد زيادة التغذية باستجرارالطاقة من الأردن والغازمن مصر، والبطاقة التمويلية) لما يمكن لحكومته أن تنجزه في الأشهر الخمسة المتبقية قبل الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل. ومع أن الوضع السياسي المزري والعراقيل التي تشل الحكومة والتعقيدات المتصلة بالصراع السياسي، هي التي فرضت التواضع في الأهداف فإن الموازنة قد تكون الإنجاز الوحيد المتاح في ظل العقبات أمام الكثير من الخطوات العملية الأخرى التي تلحم التدهور عند حد معيّن، وتوقف التدهور في سعر صرف الليرة وتحد من التدهور معيشة اللبنانيين وتستبق الانفجار الاجتماعي الكبير الذي يحمل معه احتمالات المزيد من التراجع في الأمن والتسبب بالفوضى.
لا مجال أمام ميقاتي إلا أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء لإقرار الموازنة حصراً، كخطوة جوهرية، ولاتخاذ قرارات واجبة بتأمين الاعتمادات المالية لإجراء الانتخابات النيابية، وتعيين هيئة الإشراف على الانتخابات، وهي أمور قد تكون من بنود الموازنة. ومحيطه يؤكد أنه سيفعل وسط اعتقاد أوساط محايدة أن “الثنائي الشيعي” سيغض النظر لأنه لا يستطيع إعاقة اجتماع جدول أعماله محصور وإلا سيصبح في موقع من يعيق ضبط مالية الدولة الذي يطالب به ، ويؤخر صرف بعض التقديمات المقررة لموظفي القطاع العام، وإجراءات الانتخابات التي يؤكد قطباه التزامهما بها.
قد يكون “حزب الله” أراد من وراء تسريب عدم موافقته على مقايضة تشمل اجتماع مجلس الوزراء، من دون أن يصدر اعتراض عن بري، سببه ردة فعله السلبية على تصريح ميقاتي ضد الهجوم الذي شنه السيد حسن نصر الله على المملكة العربية السعودية، إلا أن هذا لا يمنع القول أنه سيكون أكثر المحرجين إذا حال دون التئام الحكومة. فأوساط قيادة الحزب ساءها قوله أن “قيادة الحزب تخالف الحالة اللبنانية المتنوعة وأن يكون لبناني الانتماء”، معتبرة أنه يشكك بانتمائه اللبناني. كما أثار حفيظتها أن يرد على نصر الله نفسه، ما حدا بقياديي الحزب الذين اعتادوا التواصل مع رئيس الحكومة أن يقاطعوه.
يأمل البعض بتسوية للدعوة المرتقبة لانعقاد مجلس الوزراء إذا لم يحضروا. بإمكان الوزراء الشيعة أن يتقدموا بملاحظاتهم على مشروع الموازنة الذي أعده زميلهم يوسف الخليل ويسلموها لميقاتي بعد توزيع نصها عليهم مقروناً بالدعوة. وبإمكانهم تكرار تجربة العام 2006 حين استقال الوزراء الشيعة جميعا من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لكنهم ظلوا يمارسون صلاحياتهم كاملة وينفقون الأموال المخصصة لوزاراتهم، بالاتفاق مع السنيورة نفسه، (كما يفعل بعضهم اليوم) مع أنهم اعتبروا الحكومة مبتورة في حينها، فكانوا يطلبون الاعتمادات المالية لتسيير شؤون وزاراتهم، رغم استقالتهم. ويمكنهم القيام بالعمل نفسه، فيما يخص جدول الأعمال المحصور، خصوصاً أنهم غير مستقيلين…