الأزمات تتوالى في ظلّ الشغور الرئاسي… والبلد على كفّ “جبران”

by nabaa s

بقلم: مريم أيوب

يقول مثلٌ شعبيٌ: “كل تأخيرة وفيها خيرة”، ويقول آخر:”في العجلة الندامة”. مثلان بالرّغم من واقعيّتهما إلّا أنهما لا ينطبقان أبداً عل مشهد الإستحقاق الرئاسي في لبنان، إذ أن انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة بات حاجةً ملحّةً لا خير في تأخيرها ولا ندامة في استعجالها.. والتأخير هنا فعلٌ بغيضٌ تحترفه الطبقة الحاكمة في لبنان. 
ليست هذه مقدمّة فلسفيّة بمضمونها بل تجسيد لهاجسٍ راود ويراود كلّ لبناني عايش سيناريو”الفراغ الرئاسي” ويخشى تكراره، وخاصةً شغور عام 2014-2016 الّذي انتهى بكارثة سُمّيت ب”التسوية الرئاسية”، والتي نعيش تبعات فشلها الذريع إلى اليوم. 


المُلفت، أن من عرقل مسار الاستحقاق في الأمس، يعرقله مجدداً اليوم. ومن كان يطمح أن يكون مؤثراً في موقع الرئاسة الأوّل، يريد اليوم أن يختار بنفسه رئيس الجمهورية . ومن جال الشمال والجنوب بحثاً عن من يصدّق بأنّه “حاميحقوق المسيحيين”، نصّب نفسه اليوم الزعيم المسيحي الأهم في لبنان والمدافع الوحيد عن دورهم ووجودهم. 
حتّى الساعة لا حلول محتملة تخرق مشهد الجمود، والإحباط سيّد الموقف في المجلس الّذي ينتظر أعضاؤه حراكاً خارجياً يرشدهم الى الطريق الأنسب،ولكن الواقع أنّ لا حلول خارجية تنقذ الوضع إن لم يأتِ التفاهم من الداخل أولاً.

banner

الكرة الآن في ملعب الداخل، تتدحرج من فريقٍ سياسي إلى آخر 

على المسعى الخارجي أن يدعم الموقف الداخلي، لكنّ الموقف الداخلي لم تتّضح معالمه بعد. 
فباسيل الّذي لطالما أعرب عن رفضه انتخاب رئيس تيار المردة “سليمان فرنجية” لرئاسة الجمهورية، قد أعاد تأكيد رفضه قبل يومٍ من انتهاء ولاية ميشال عون. وقد اختلفت الحجج الّتي برّرت هذا الموقف، لكن آخرها كان إظهار باسيل لخوفه من تكرار مشهد “التسعينيات” وعودة ترويكا سياسية تضم “فرنجية بري ميقاتي” تتحكّم بمفاصل البلد. فتفاهم مار مخايل استطاع تأمين الغطاء المسيحي لسلاح الحزب، لكنه لم يمنع الخصومة بين باسيل وحليف الحزب الأوّل ” بري”، ولم يستطع بناء عامل ثقة متين بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي بات يعي تماماً أن لحزب الله أفضليّة في تحالفاته، وإن كان سيتحتّم على الحزب اختيار أحد حلفائه فإنّه حتماً سيختار الرئيس بري. 

لم يرشّح فرنجية نفسه رسمياً حتّى الساعة، كذلك لم يفعل الثنائي الشيعي الذي بات معروفاً انّ فرنجية مرّشحه المفضّل، ليس من اليوم، بل منذ الانتخابات الرئاسية السابقة. فلا يرى فرنجية اي منفعة من حرق اسمه الآن وسط فوضى الأسماء وعدم اتّضاح معالم أي اتّفاق مُجدي. فهويفضّل أن يلمس بصيص أي تفاهم يؤمّن لترشيحه الغطاء المسيحي ويجنّبه لقب “مرشّح الشيعة”.

باسيل لا يعجبه فرنجية، ولا حتّى قائد الجيش  

لم يكن فرنجية الاسم الوحيد الّذي رفضه باسيل، بل سارع أيضاً الى رفض ترشيح قائد الجيش جوزيف عون فور طرح اسمه، على الرغم من شبه الإجماع الدولي عليه من قبل أميركا وفرنسا والسعودية وقطر. فقد لفت باسيل خلال مقابلة له إلى أن “تخييرنا بين اسمين فقط أمر غير مقبول. والموضوع ليس موضوع سلطة بل موضوع وجودي، ولا يمكن فرض تسويات علينا من دون احترام موقفنا. وفي موضوع قائد الجيش ليس الاسم بل يتعلق في مشكلة أننا نكرس كلّ قائد جيش يصل إلى المنصب يصبح همّه رئاسة الجمهورية، والأزمة اليوم ليست أمنية بل اقتصادية ومالية وسياسية. فما هوالمشروع هنا؟”


هذا ما صرّح به باسيل على العلن، لكن ضمنياً يملك باسيل سبباً أكثر وجاهة يكمن في كونه يعرف بأنه لا يمكن أن يؤثّر على جوزيف عون في حال تولّيه منصب رئاسة الجمهورية؛ فقد سبق ان حصلت خلافات بين الثنائي اثر محاولات باسيل التدخل في قرارات قيادة الجيش حيث كان عون سرعان ما يتصدّى له، الأمر الّذي اثار نقمة باسيل عليه منذ ذلك الحين، وحتّى الآن.

وإن كانت حظوظ باسيل في تولّي رئاسة الجمهورية معدومة فهوسيحرص بالتأكيد على اختيار رئيساً يستطيع التأثير عليه، إذ أنّه ومنذ تولّي عمّه الجنرال ميشال عون منصب رئاسة الجمهورية في ال٢٠١٦، يتصرّف وكأنّه واجهة القرار السياسي في لبنان ويحتكر وتيّاره قرارات الموقع المسيحي وكأنّه الزعيم المسيحي الأوّل والوحيد. 
في جميع الأحوال، يحتاج انتخاب قائد الجيش كرئيساً للجمهورية تعديلاً للدستور، ولم يتمّ الحديث جدياً عن تعديله حتى الساعة. 
إذاً حظوظ باسيل بالرئاسة معدومة. لا يملك مرشحاً ولا يعجبه مرشّح أحد. يرفض الحوار مع القوات اللبنانية ويتحدّث باستمرار عن التوافقيّة في الاختيار،بالرغم من أنّه هومن يفرض رغباته على كافة الأفرقاء السياسيين، حتى على حليفه.
فقد شهدت الأيام القليلة الماضية توتّراً بين الوطني الحر وحليفه الشيعي على اثر تصريحات لباسيل اعتبرها الحزب مهينة لشخص أمينه العام حسن نصرالله ، كونها حملت بعداً أخلاقياً أكثر من كونه سياسي. ذلك أن باسيل قد شكّك في إحدى مقابلاته بمصداقيّة نصرالله الذي يعتبر أن ” رأسمال الحزب هوالتزامه بوعوده”، الأمر الّذي اعتبره الحزب خطاً أحمراً استوجب إصدار بيان توضيحي من جهة الحزب  الّذي اجتنب اسلوب التصعيد الّذي لا يخدم أحداً من الطرفين في هكذا ظروف. كذلك فعلت اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار عبر بيانها الذي تجنّبت فيه زيادة حدّة التوتّر. فالتفاهم هنا والتخفيف من الاحتقانات يصبّ في مصلحة الطرفين ولا خير لهما في الابتعاد عن مبادئ”مارمخايل”.

عشر جلسات “رفع عتب” ولا رئيس جامع لكلّ اللبنانيين 

لم يكن تأجيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلى ما بعد عطلة رأس السنة مبرّرا”، فالوقت لن يخلق بوادر انفراج إن ظلَّ كل فريق متمسّك بموقفه. فباسيل متمسّك بمعادلة “لا فرنجيّة ولا عون”، وبعض أقطاب 14 آذار متمسّكينبالتصويت ل”ميشال معوّض” الّذي ينال عدد الأصوات نفسه في كل جلسة،فيما اختارت “الأقليّات” في المجلس من نوّاب صيدا- جزّين و”المجتمع المدني” التصويت للباحث والنقابي الدكتور عصام خليفة. 
أما نوّاب الثنائي الشيعي فيكرّرون المشهد عينه كل مرّة إذ يصوّتون بورقة بيضاء ومن ثمّ يغادرون الجلسة لتطيير النصاب. 
في لغتهم، يعني هذا المشهد “الدعوة إلى الحوار”. 

الكرة إذاً في ساحة “مارمخايل”، فإذا نجح حزب الله بإقناع حليفه العوني بالسير بفرنجية كمرشّح، تكون العقبة الأولى قد زُلّلت ويبقى على فريق 8 آذار أن يقنع أقطاب 14 آذار بمرشّحه. وفي حال اجتمع الفريقان على مرشّح توافقي يكون الداخل قد مرّر الكرة للخارج الّذي يملك الكلمة الفصل. 
أمّا في حال عدم التوافق، فربمّا سيتحتّم على الأفرقاء السياسيين بكل مكوّناتهم أن يتوجّهوا إلى الدوحة، مجدداً، لإعادة سيناريوال2008 الّذي أسفر عن انتخاب ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية آنذاك. 
فهل يتمّ الإجماع أخيراً على إسم موحّد ، أم يفشل الحراك الداخلي والخارجي ويضطرّ “زعماء الطوائف” للتوجّه إلى الدوحة والاتفاق على انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، مجدداً؟

You may also like

من نحن

بدأت منصّة نبأ اللبنانية نشاطها الإعلامي كأوّل منصّة في الشمال اللبناني في ٢/٢/٢٠٢٢، بعد أن حصلت على علم وخبر رقم ١٤ من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
تضم نبأ نخبة من الإعلاميين العرب وشبكة مراسلات ومراسلين في مختلف المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى شبكة برامج متنوعة.
يرأس مجلس إدارة منصّة نبأ اللبنانية
رجل الأعمال اللبناني بلال هرموش
تهدف نبأ إلى نقل الأنباء المحلية والعربية والدولية بدقة ومهنيّة، كما تسعى لنقل الصورة الحقيقة للواقع اللبناني، خصوصا المناطق المهمشة إعلاميا.

2022 @ All Right Reserved , Development and Designed By NIC Group.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept اقرأ المزيد

Privacy & Cookies Policy